سابعاً: من صفات النمل التضحية
من غرائب النمل -أيها الإخوة-: التضحية؛ النمل عنده مجتمع مضحٍ، كيف مضحٍ؟ كما قلت لكم لا مكان للأنانية فيه؛ الفرد يضحي من أجل المجموعة، وهذا ثبت في دراسات علمية سأذكر لكم مثلا أو مثلين: من أسهل الأمور: أن تقدم النملة نفسها فداء لبني جنسها، وتضحية لبني جنسها؛ مما ثبت في الدراسات العلمية أن النمل إذا جاءت مجموعة من النمل، وواجهت واديا -أي عائقا مائيا- لا نقصد واديا كوادي النيل أو وادي الفرات، ولكن نقصد عائقا صغيرا ماذا تفعل النمل؟ هناك طريقتان لعبور هذا الماء: طريقة من الطرق، وهى عجيبة وغريبة: تتشابك النملة؛ كل نملة تشتبك مع نملة أخرى فتكون جسرا حتى تعمل جسرا فوق هذا الماء، نملة متصلة بنملة حتى تصل إلى الطرف الثاني، ثم تبدأ بقية النمل تمشي من فوق هذا الجسر حتى تنتهي النمل، فإذا انتهت جميع النمل جاءت النملة التي في الطرف الآخر، ومشت والجسر باق مستمر حتى تنتهي النمل، أعطاها الله قوة، حتى تنتهي جميع النمل وتعبر. إذا كان الوادي -لاحظوا- أكبر من أن تعمل جسرا عليه، يكون متسعا، لها طريقة غريبة: تأتى مجموعة من النمل، وتقتحم الماء بقوة وبسرعة، وتتشابك، ثم تأتى بقية النمل ، وتجري عليها فوق الماء مع أنه يغرق عدد كبير من هذه النمل التي نزلت الماء المرة الأولى من أجل إنقاذ بقية النمل. سبحان الله! سبحان الله يا إخوان، هذه التضحية، وهذه الفدائية، وهذا التقدم ، والله إنه غريب ما أحوجنا إلى هذه الأمثلة، ولكن (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)([26]) . ثامناً: من صفات النمل الترتيب وعدم الفوضى
مجتمع النمل -أيها الإخوة- من صفاته العجيبة -التي ثبتت ثباتا علميا، لا نقاش فيها-: الترتيب، وعدم الفوضى: تستغربون لو قلت لكم: إن هذا المخلوق الصغير لا مكان للفوضى في حياته، أقول لكم: إن هذه النملة التي تنظرها نظرة بسيطة يسيرة مجتمع منظم، مجتمع مرتب، مجتمع دقيق الترتيب. أولا: يعمل من الصباح حتى المساء، ويدخل في المساء وينام، إلا إن خرج لسبب أو لآخر. ثانيا: من دقة ترتيبه العجيب أن بيوت النمل مقسمة تقسيم: غرفة مستودع، وغرفة للنوم، وغرفة للضيوف، وغرفة للمن؛ وهذه حشرة يأخذها النمل معه. بيوت النمل مقسمة تقسيما، بينما لو نظرنا لبيوت بعضنا رأينا الفوضى فيها، ربما تجد المكتبة موجودة في المطبخ، والكتب منثورة في أركان البيت، وأعمال الإنسان فوضى في فوضى، ولكن بيت النمل مرتب ترتيبا عجيبا قد نستغربه. من ترتيب النمل، ومن دقة النمل في ترتيبه -أيها الإخوة- : بعض أنواع النمل تبني عش، عُش على الأرض؛ هذا العش يكون طويل له فتحة من الأمام، ومغلق من الخلف، العجيب أن هذا العش دائما طرفه المغلق إلى الشرق حتى وصل إلى أن بعض المسافرين في البرازيل وغير البرازيل، ويكثر فيها النمل تعرف اتجاه الشرق إذا رأت عش النمل، فإذا رأت عش النمل عرفت أين الشرق من الغرب. فالذي جهة الفتحة هو جهة الغرب.، والذي جهة المغلق هو جهة الشرق، مضطرب لا يختلف أبدا، بوصلة يا إخواة، أرأيتم هذه الدقة في بناء بيته. تاسعاً: من صفات النمل عدم تعدي أي صنف من أصناف النمل الأسود على غيره
أيضا أتعلمون أن النمل على أربعة أقسام: الملكة والعساكر والشغالات والوصيفات؛ الملكة لها مهمة، وهى وضع البيض، وإدارة المملكة. الوصيفات مهمتها حماية المملكة، وتنظيف المملكة، وتبليغ أوامرها إلى بقية جنود النمل. العساكر مهمتها حماية النمل، وبيوت النمل . الشغالات هي التي نراها دائما بخارجة، هذه التي تسمى الشغالات حتى النمل عنده شغالات لكن غير الشغالات الموجودة عندنا. نعم شغالات مرتبة، شغالات ليس لها مخالفة شرعية، شغالات على الوجه الصحيح يخدم بعضها بعضا دون تمييز أو عنصرية. أربعة أنواع. العجيب أنه ما في نوع من أنواع النمل الأربعة: الملكة، الوصيفات، العساكر، الشغالات تتعدى على عمل غيرها إلا عند الحاجة؛ تصدر الملكة أمرا فتجتمع الشغالات مع الوصيفات مع العساكر والشغالات، وتقف إذا داهمها خطر لا تستطيع العساكر أن تقوم به وحدها فتستنجد بالبقية. هذا تفعله متى؟ عند مداهمة الخطر لها، وعند أيضا عندما تسقط بيوتها، فإنها تجتمع بسرعة لإقامة البيت، ولذلك خلال دقائق يعود بيت النمل كما كان، هذا يدل -أيها الإخوة- على التنظيم -كما قلت لكم- والدقة في ذلك. من عجائب النمل -أيها الإخوة- : أن النمل من دقته وترتيبه مسألة ما كنت والله أعرفها مع أنني كنت أتابع هذا الأمر من سنوات إلا عندما بدأت أقرأ، فيه نمل يسمى النمل الراعي؛ النمل منها نمل رعاة ماذا ترعى؟ ترعى حيوانا أو حشرة تسمى المن تحملها في الصباح معها، وتذهب بها إلى جذوع الشجر، وتأتى شجرة أو حشرة المن، وتأخذ -تعلمون النوع بعض الأشجار تفرز مادة حلوة- كما تعلمون- فتذهب النملة بحيوان المن تحمله معها، وتضعه على هذا الشجر فتأتى حشرة المن، وترضع هذا السكر أو هذا الحلاء فتأتى النملة بعد ذلك، وترجع بحشرة المن في المساء، وتدخلها إلى غرفة خاصة منها، ثم تبدأ تحلبها، وترضع ما رضعته من الشجرة، هذا يسمى النمل الراعي. وهذا موجود لا يخلو بيت من بيوت النمل، وخاصة في المزارع من نوع من المن تنقلها في الصباح إلى الأشجار، وتأكل ما فيه من سكريات وحلويات ومادة سكرية، وترجعه في المساء، ثم تبدأ في المساء؛ لأن النملة معروفة بحب الحلاء، وهذا ربما أنكم تجربون هذا الأمر، ضع العسل فوق أي مكان، قد تجد الغرفة لا يوجد فيها نمل أبدا، اترك العسل قليلا، فجأة ما تعلم إلا والنمل قد جاء؛ لأنه يحب العسل، والحلوى حبا عجيبا فلذلك فإنه يربي حشرة المن بهذه التربية الدقيقة المنظمة . أعجب من هذا هناك نوع من النمل يسمى النمل الزارع، يعني باختصار هناك نوع من النمل فلاحات فلاحة، نعم تبذر، وهي تبذر نوع من الفطريات -أيها الأخوة- يسمى أرز النمل، وعش الغراب، ويقول سعد عامر: إن النمل مجتمع نموذجي رائع، منظم تنظيما دقيقا، والعمل بين أفراده مقسم تقسيما عجيبا. عاشراً: من صفات النمل وحدة الكلمة والموقف
النقطة الثامنة مما توصلت إليه من دراستي لهذا المخلوق العجيب -أيها الإخوة-: وحدة الموقف، وتأملوا معي -أيها الأحباب- وحدة الموقف، ووحدة الكلمة بين مجتمع النمل، وبخاصة أمام الأعداء، وأذكر لكم قصتين -أيها الأخوة- ، وقبل أن أذكر القصتين أذكر لكم حالة تألمت لها: ذهبت إلى دولة عربية دولة صغيرة، نسبة الرافضة فيها 60% نسبة من ينتسبون إلى أهل السنة 40% حتى ممن ينتسب إلى هؤلاء منهم العاصي، ومنهم الفاسق كما في أي مجتمع، نسبة الدعاة من الأربعين بالمائة يا إخوان نسبة والطيبين والدعاة لا يعادلون 10%، وأنا أتكلم بإحصائية، أقول لكم: نسبة الطيبين والدعاة 10% ، منتمين لعدة جماعات وجدت من هؤلاء المنتمين الذين ينتمون لمنهج أهل السنة والجماعة أي نقول: إنهم من السلفيين منقسمين إلى سبعة أقسام. سبعة أقسام لاحظتم كيف النسبة؟ يعني أصلا كم نسبتهم في البلد؟ نسبتهم في البلد لا تصل إلى 1%، ومع ذلك سبعة أقسام كل عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين مجموعة. سبحان الله! سبحان الله! أهكذا يكون؟ أما النمل فلا، مجتمع متعاون عجيب، في البرازيل تصورا -يا إخوان- إذا دهم خطر تنطلق ثلاثون ألف نملة دفعة واحدة فتهجم على أعدائها، حتى إنها تهجم على بعض الحيوانات الكبيرة فتقضي عليها لماذا قضت عليها؟ وحدة الموقف، ووحدة الكلمة، أما إذا كنا متفرقين تأبى الغصون إذا اجتمعن تكثرا
وإذا افــترقن تكســرت آحـادا
أما المثل الثاني الذي رأيت صورته: وقعت حية طويلة، عدة أمتار طولها، وقعت في طريق النمل، فأحس النمل بالخطر، فاجتمعت النمل -يا إخوان- ورأيت هذه الصورة -أيها الإخوان- ، وصعدت على ظهر الحية وعلى بطنها، ورأيت الحية -يا أحباب-، وقد أخرجت أنيابها، وارتفع رأسها تريد أن تضرب النملة، لكن كيف تضرب النمل؟، والنمل قد بدأ بها من رأسها إلا ذنبها، وما هي إلا لحظات فإذا هذا الثعبان الطويل قد سقط جثة هامدة، ثعبان طوله أكثر من المتر، لكن قامت هذه النمل بوحدة الكلمة، واجتمعت عليه، وقضت عليه. ورأيت حركته بالصورة على كل حال، وهو يخرج أنيابه لكن كيف يضرب النمل؟ كيف يضرب؟ ماذا يفعل؟ وحدة الكلمة -أيها الأخوان-. الأمة الإسلامية -الآن- يقال عنها مليار، مليار!! اليهود كم عددهم؟ ثلاثة ملايين أو أربعة ملايين، الأمة العربية الآن عددهم أكثر من مائة مليون في الدول العربية، ولكن لأننا مختلفون، والقلوب متفرقة قبل الأجسام ترون الحالة التي نحن فيها، فما أحوجنا إلى وحدة الكلمة ، وإلى اجتماع الكلمة في وقت يراهن أعداؤنا على تفرق كلمتنا، ولذلك المثل البريطاني المعروف المثل الإنجليزي المعروف يقول: ( فرق تسد )، هل تريد أن تبقى سيدا؟ نعم فرق، وهذا مثل صحيح (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)([27]) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)([28]) . نعم فمجتمع النمل ما فيه مجال للافتراق، ذكر أحد علماء الأحياء قصة يقول: أحيانا يحدث بين النمل بعضها ترى الانتقال من البيت، وبعضها لا ترى الانتقال، ماذا يحدث؟ هل يذهب بعضها، وينتقل ويبقى البعض الآخر؟ لا، يقول: تتفق على قضية فتحسم فإذا حسمت هذه القضية الذي يفوز فيها هو الذي ينتقل، حتى ذكروا من العمليات التي تعملها النمل نوع من المصارعة -كما يقولون- فيجتمع فريقان: الفريق الذي يرى البقاء، والفريق الذي يرى الانتقال فيتصارعان؛ فالفريق الذي يغلب كلمته هو المقدمة فيذهب الجميع أو يبقى الجميع، المقصود أنها حلول عملية . الحادي عشر: من صفات النمل أنه مجتمع نظيف
من الدروس -أيها الإخوة - وأنا أحاول أن لا أطيل؛ لأنني على وشك النهاية، وفي الحقيقة لم يبق إلا نقطتان. مما رأيت النمل من دراسات علماء الأحياء أن النمل مجتمع نظيف، ينظف بيته، وثبت أن النملة تنظف نفسها يوميا حتى تصل في بعض مجتمعات النمل إلى أن النملة تنظف نفسها يوميا عشرين مرة، ونحن نقول: الذي ينظف نفسه من الجمعة إلى الجمعة جزاه الله خيرا إلا لسبب مشروع نعم، وقد يجلس الواحد -والله أحيانا- أسبوعين أو ثلاثة لم يستحم، قد يدخل المسجد ويتمنى البعض أنه يخرج من المسجد. صحيح يذكر لي بعض الإخوان يقول لي: إذا دخلت المسجد -أحيانا- أنظر شخص موجود، ولا لأ؟ إذا كان في يمين الصف رحت في طرف الصف، صحيح هذا واقع، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم" نهى أن يأكل الإنسان ثوما أو بصلا، ويأتي إلى المسجد " ([29]) فقضية مجتمع النمل مجتمع نظيف حفظك الله. فإذا استثقلت أن تأخذ حماما أو تتنظف في الأسبوع مرة فتذكر النملة. الثاني عشر: من صفات النمل أنه مجتمع مسبح
وأخيرا مجتمع النمل مجتمع يسبح، مجتمع مسبح كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" قرصت نبيا من الأنبياء نملة، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح، فهلا نملة واحدة " ([30]) . الله أكبر عندما هذا النبي -عليه السلام- ، وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، عندما قرصته النملة أحرق قرية النمل فعاتبه الله -جل وعلا-، وقال " أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح فهلا نملة واحدة " ([31])(وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)([32]) . أقول هذا لماذا يا أحبابي الكرام؟ ذكرت في مناسبة من المناسبات -بناء على الأدلة الكثيرة في الكتاب والسنة على تسبيح جميع المخلوقات لله -جل وعلا- (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)([33]) (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)([34]) وهذه النمل تسبح، أما أقل المخلوقات تسبيح هما الإنس والجن، تريدون المثال العلمي. انظر حالك أنت أنت، وأحسبك والله حسيبك أنك من أفضل الناس ما جئت لهذه المحاضرة إلا أن فيك الخير، وفيك الصلاح ، وفيك الدين انظر لنفسك؟ كم تسبح اليوم أجودنا، وأحسننا إلا من وفقه الله من يسبح بعد الصلاة التسبيح الشرعي، ويقرأ أوراد الصباح والمساء، وكثير منا من يضيع عليه بعد الصلاة، قد لا يتم أوراد الصباح والمساء، وقد لا يتم تسبيح ما بعد الصلاة، أما أن يكون الواحد منا كما كان السلف الواحد منهم يسبح في اليوم إلى عشرين ألف تسبيحة. أدركت رجلا عاش معنا منذ سنوات في الرياض، وقد توفي -رحمه الله - منذ سنوات يا إخوان تجاوز عمره المائة ، وقد متعه الله بجميع قواه: البصر، السمع، العقل أتعلمون مما رأيت من أسباب ذلك عندما اهتممت في هذه القضية، وقد عشنا معه سنوات ما السر في ذلك؟ وجدت أن من توفيق الله له أمر رأيته، وأمر علمته عنه؛ أما الأمر الذي علمته عنه فأولاده حفظهم الله فيهم خير، ويتحرون الحلال في رزقهم، ومع ذلك لا يأكل من طعامهم إلا قليلا، يأكل من كسب مال له في قريته، هذا وأولاده من الصالحين، ولا أزكيهم على الله فهو يتحرى لقمة الحلال. السبب الثاني، وهو الشاهد هنا؛ فقد رأيناه -يا أخوان- يسبح في اليوم -كما ذكر لنا أحد مشايخنا- أنه يسبح في اليوم قرابة خمس عشرة ألف تسبيحة، وتهليلة، وتحميدة، والله رأيناه -يا إخوان- نسلم عليه ويسبح، رأيناه نائما -يا إخوان- في المسجد، ويسبح، وهو نائم، كرامة من الله -جل وعلا- خمسة عشر ألف تسبيحة، كم تسبح يا أخي الكريم؟ أما مجتمع النمل فهو مجتمع مسبح " أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح " ([35]) فهو مجتمع مسبح لله -جل وعلا- . الثالث عشر: النوع الثاني النمل الأبيض "الأرضة"
تشابه النمل الأبيض مع المنافقين والعلمانيين
أيها الأحبة: بعد ذلك بقيت نقطة، وهي القسم الأخير في هذه المحاضرة في موضوع النمل، النوع الثاني من النمل؛ كما أن البشر أنواع فالنمل أنواع: النوع الثاني من النمل هو ما يسمى بالنمل الأبيض، وهو ليس بأبيض، نعم لونه أبيض، هذه النملة يا إخوان هي التي تسمى الأرضة؛ الصفات التي ذكرت لكم سابقا عشر صفات هي في النمل الذي يسمى النمل الأحمر أو الأسود، لكنه هو النمل أفضل أنواع النمل، هو النمل الصادق، النمل المتعاون، النمل المسبح، النمل الصابر، النمل المجاهد، النمل الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر في بني قومه. لكن فيه نوع آخر هو النمل الأبيض أو (الأرضة) تطلق في مجتمعنا الأرضة، هذه وردت في القرآن الكريم. العجيب في هذه النملة -يا إخوان - أنها لها صنف عجيب جدا في مجتمعنا، وهم صنف ونوع المنافقين والعلمانيين، ووجدت أنها تشترك ، وأن العلمانيين والمنافقين يشتركون مع النمل الأبيض في صفات كثيرة: أولا: النمل اسمه النمل الأبيض ظاهره الصلاح، والمنافقون يظهرون الإيمان (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)([36]) فشكلها بيضاء، لكن ما هي حقيقتها؟ النمل الأبيض -يا إخوان- لا يعمل إلا في السر، والعلمانيون يعملون في السر، النمل الأبيض من حرصه على السرية يغيص في الأرض إلى 45 مترا، حتى يبني بيوته، بينما النمل الأسود لا يغيص إلا سنتيات لا تتعدى 50 سم، انظروا الفرق؛ لأن المجتمع المسلم والمجتمع الطيب يعمل في الوضوح، أما مجتمع النمل الأبيض الأرضة فإنه يغيص في الأرض إلى 45 مترا أشد سرية وغموضا ليكون في منأى في خططه وأساليبه، وهكذا يفعل العلمانيون، ويفعل المنافقون. المجتمع -أيها الإخوة- مجتمع النمل -الأرضة- مجتمع مفسد، وأقرأ عليكم بعض أوجه إفساده من أحد كتب علم الإحياء يقول -وآمل أن تتأملوا معي هذه الأمثلة بدقة-: "ولقد تنبهت كثير من الدول في السنوات الأخيرة إلى خطورة هذه الآفة، وأقيمت مراكز متخصصة في كثير منها في فرنسا، وألمانيا الغربية، والولايات المتحدة وأستراليا وغيرها من الدول من أجل القضاء على هذه النملة"، إلى أن قال: "ولقد فطن المجتمعون في ندوة من الندوات التي نظمتها هيئة الحصر الحيواني في الهند بالتعاون مع هيئة اليونيسكو الدولية، والتي عقدت بمدينة نيودلهي عام 1960 إلى هذه الصعوبات، وكان من بين قراراتها: دعوة هيئة اليونيسكو إلى تبني فكرة إقامة وكالة دولية لمحاربة النمل الأبيض". ويقول: "ولقد دمرت هذه الآفة وهى الأرضة قرية (باحة المحارث) في منطقة (أبها) عن آخرها، فهجرها سكانها بسبب إصابتها بالنمل الأبيض، وأخفقت منظمة الأغذية والزراعة في إقامة مشروع لزراعة القطن، وتوطين البدو في منطقة حاكمة بسبب شدة إصابة المحصول بهذه الآفة، ولقد تعددت شكاوى المواطنين من مهاجمة النمل الأبيض لمساكنهم، وإتلافها لممتلكاتهم"، ومجتمع العلمانيين، مجتمع المنافقين مجتمع فساد، وتخريب، وأصدق مثال على ذلك الذي قلت لكم: إنه كتاب الله يقول الله -جل وعلا- في سورة سبأ (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ)([37]) . سليمان قضى الله عليه الموت فبقى على عصاه -انتبهوا لهذا المثل- الشياطين والجن ما علموا بموت سليمان فبقيت أمور المملكة سنة كاملة، وهي على أشدها، وعلى قوتها، الأرضة جاءت إلى عصا سليمان -عليه السلام-، وبدأت فيه مع الوسط، مظهر العصا ما فيه شيء سليمان واقف -عليه السلام-، والمملكة قائمة، وعلى أشدها، والأرضة تأكل، وتجوف هذا العصا، ولا تمس قشره حتى لا ترى، لأني قلت لكم: إنها لا تعمل إلا في الظلام في خططها، ووسائلها، وبعد سنة والشياطين والجن يتصورون أن الأمر قائم على أشده، وأن أمور المملكة قائمة ففجأة يسقط سليمان -عليه السلام-. أرأيتم؟ هكذا العلمانيون كم من الدول كانت قائمة، وكم من الدول كان الناس يراها على الإسلام، وتقيم شرع الله -جل وعلا- وفجأة هوت على أيدي العلمانيين؛ لأنهم يتآمرون ويخططون ويكيدون وما يعلم الناس، والناس لا يرون إلا المظاهر، فإذا فجأة بأن الأمور قد تغيرت. وإذا أن الأحوال قد تبدلت، فهم أخطر على أمتهم من خطورة النمل الأبيض هذا الأرضة على مجتمعها. (لعلي أواصل بعد الآذان إن شاء الله) بسم الله الرحمن الرحيم، أقول -أيها الإخوة -: هذا هو النوع الثاني من النمل وهو (الأرضة) وما تعمله من إفساد، وما تعمله من تخريب، وكما قلت: إنها أفنت قرى بأكملها، ولا أظن طالب علم إلا وقد مر أو ذاق من هذه الآفة، كم منا من يضع كتاب، كتاب البخاري، صحيح مسلم، أو غيرها من كتب العلم، ويفاجأ بعد فترة إذا أخذها، وإذا الأرضة قد أفسدتها، كم منا من وجد أن الأرضة قد عبثت في بيته بملابسه بغيرها من ممتلكاته، أقول: كما أن الأرضة تعبث هذا العبث بخفية، ولا نعلم إلا إذا وقعت المصيبة والبلية فكذلك يفعل المنافقون والعلمانيون، ظاهرهم النمل اسمه النمل الأبيض، ظاهر هؤلاء ألسنتهم أحلى من العسل، قلوبهم قلوب الذئاب، يفسدون الأمة (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ)([38]) لكن حقيقتهم (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)([39]) . كما أننا نحذر من هذه الأرضة، ونتخذ الاحتياطات في بيوتنا، وفي مكتباتنا، وادخلوا إلى المكتبات المركزية في كثير من المكتبات في بلادنا تجدون أنها قد اتخذت الاحتياطات الكاملة خوفا من هذه الأرضة؛ لأنها مفسدة، فكذلك يجب أن نتخذ الاحتياطات في بلدنا، وفى مجتمعنا من هؤلاء المنافقين، ومن هؤلاء العلمانيين الذين نفاجأ بين فترة وأخرى بآثارهم وأعمالهم، وأنتم تدركون معي هذه الدلالات، ولا أظنه يكابر مكابر، أو يخالف مخالف، لا أظنه يكابر أحد ما يعمله العلمانيون في بلاد المسلمين. إن من أخطر ما مرت به الأمة الإسلامية -يا أحبتي الكرام- في العصور المتأخرة ليس الخطر الشيوعي على خطورته، ولا أقلل من خطورته، أخطر منه هو ما يعمله المنافقون والعلمانيون، والآن هم الذين يؤثرون في الساحة على كثير من وسائل التوجيه والتعليم والتربية والإعلام في بلاد المسلمين. فلذلك يجب أن نكون على حذر منهم، وأن نتيقظ لهم أكثر مما نتيقظ لهذه النملة التي تحدثت عنها؛ لأن خطورتهم عامة، وبليتهم مصيبة من المصائب التي لا ينفع معها الندم.. وبعد، هذه صورة عن النمل، الصورة الأولى التي رأينا فيها هذه النملة التي تحمل هم قومها، ولم تحتقر نفسها، رأينا الصورة التي لم تشتغل بتفسير أعمال القلوب، بل إنها تدافع عن سليمان حتى ذكر العلماء أن من سبب تبسمه -عليه السلام- أنه تبسم ضاحكا لما رأى، وسمع النملة تقول (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)([40]) ولذلك أسباب عدة، رأينا هذا النمل المجتمع المتعاون، رأينا نموذج النمل الصادق، رأينا -أيها الأخوة- النمل المضحي، رأينا النمل الجاد. وهذه صفة بارزة -أيها الأخوة- يجمع عليها علماء الأحياء قالوا: لا يوجد في علم النمل هذا النوع من النمل نمل خامل أو متكاسل أو فاتر إلا نوع يسير يوجد في شرق آسيا، وهو لا شأن له، ولا قيمة له، أما مجتمع النمل فغالبه، والصفة العامة عليه الجد والصبر والتحمل والتضحية، فأين نحن من هذا الباب؟ إذا أدركك وهن -أيها الحبيب- أو ضعف فالله الله تذكر مخلوقات الله. ورمضان مقبل على الأبواب.أسأل الله أن يبلغنا رمضان، وأن يعيننا على صيامه، وقيامه، وأن يتقبله منا، لا نقضي رمضان بالنوم -أيها الأخوة-، والأحاديث، والسهر، بل نقضيه بالجد والاجتهاد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم" إذا دخلت العشر شد المئزر وأيقظ أهله " ([41]) صلى الله عليه وسلم وكل حياته صلى الله عليه وسلم جد ونشاط ودأب، رأينا في مجتمع النمل -كما قلت لكم- أنه مجتمع مسبح، يسبح بحمد الله -جل وعلا- ، يذكر الله -جل وعلا- (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)([42]) هذه الصفات التي أشرت إليها، وقلت لكم: هي على سبيل الاختصار، وإلا لو أطلت لكان فيه مزيد من الإيضاح، والبيان. التعاون يا أحبتي الكرام، يا شباب الإسلام، يا طلاب العلم، يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعداؤنا مجتمعون علينا، العلمانيون والمنافقون على ما بينهم من خلاف هم مجتمعون على أمة محمد صلى الله عليه وسلم ومجتمعون على أهل هذا البلد بصفة خاصة؛ لأنهم يعلمون أنهم إذا قضوا على هذه البلاد استطاعوا أن يحققوا كثيرا من مآربهم، لا أراهم الله ما يحبون. وأسأل الله أن يجعل تآمرهم تدميرا عليهم فأقول: لنتعاون -أيها الإخوة- كفى فرقة واختلافا، وإذا تفرقت قلوبنا، فماذا بعد ذلك أيها الأحباب؟ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)([43])(وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)([44]) (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)([45]) . فيا أحبابي الكرام: الله الله لنأخذ العبرة والعظة من هذه الدروس التي بينتها، وأشرت إليها، فقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن تكون الحكمة هي رائدنا أنى وجدناها فنحن أحق بها، وأن نجعل هذا الكلام حجة لنا لا حجة علينا، وبارك الله فيكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. [1] - سورة آل عمران آية : 102 . [2] - سورة النساء آية : 1 . [3] - سورة الأحزاب آية : 70-71 . [4] - سورة النمل آية : 18 .
[5] - سورة محمد آية : 24 .
[6] - سورة النساء آية : 82 .
[7] - سورة طه آية : 50 .
[8] - سورة الحشر آية : 2 .
[9] - سورة النحل آية : 66 .
[10] - سورة يوسف آية : 111 .
[11] - سورة النمل آية : 18 .
[12] - سورة النمل آية : 18 .
[13] - سورة النمل آية : 18 .
[14] - سورة النمل آية : 18 .
[15] - سورة النور آية : 40 .
[16] - سورة النمل آية : 18 .
[17] - سورة النمل آية : 18 .
[18] - سورة النمل آية : 18 .
[19] - سورة النمل آية : 18 .
[20] - سورة النمل آية : 18 .
[21] - مسلم : الإيمان (96) وأبو داود : الجهاد (2643) وأحمد (5/207) .
[22] - مسلم : الإيمان (96) وأبو داود : الجهاد (2643) وأحمد (5/207) .
[23] - سورة النمل آية : 18 .
[24] - سورة النمل آية : 18 .
[25] - سورة المائدة آية : 2 .
[26] - سورة الحشر آية : 2 .
[27] - سورة آل عمران آية : 103 .
[28] - سورة آل عمران آية : 105 .
[29] - البخاري : الأذان (855) ومسلم : المساجد ومواضع الصلاة (564) والترمذي : الأطعمة (1806) والنسائي : المساجد (707) وأبو داود : الأطعمة (3822) وأحمد (3/400) .
[30] - البخاري : الجهاد والسير (3019) ومسلم : السلام (2241) والنسائي : الصيد والذبائح (4358) وأبو داود : الأدب (5266) وابن ماجه : الصيد (3225) وأحمد (2/402) .
[31] - مسلم : السلام (2241) والنسائي : الصيد والذبائح (4358) وأبو داود : الأدب (5266) وأحمد (2/402) .
[32] - سورة الإسراء آية : 44 .
[33] - سورة الرعد آية : 13 .
[34] - سورة الإسراء آية : 44 .
[35] - مسلم : السلام (2241) والنسائي : الصيد والذبائح (4358) وأبو داود : الأدب (5266) وأحمد (2/402) .
[36] - سورة المنافقون آية : 4 .
[37] - سورة سبأ آية : 14 .
[38] - سورة المنافقون آية : 4 .
[39] - سورة المنافقون آية : 4 .
[40] - سورة النمل آية : 18 .
[41] - البخاري : صلاة التراويح (2024) ومسلم : الاعتكاف (1174) والنسائي : قيام الليل وتطوع النهار (1639) وأبو داود : الصلاة (1376) وابن ماجه : الصيام (1768) وأحمد (6/40) .
[42] - سورة الإسراء آية : 44 .
[43] - سورة المائدة آية : 2 . [/right:d67