بــــــســم الله الرحــمن الرحــيمالحمد لله الذي فضل بعض الأيام على بعض، وفضل بعض الليالي على بعض،
وفضل بعض الأماكن على بعض، ثم أرشدنا ودلنا على ذلك لنغتنم الفرصة،
ونستثمر هذه المواسم المباركة في الطاعات و الإكثار من عمل الصالحات،
ونتقرب إلى الله بالمسارعة في الخيرات، ونبعد أنفسنا عن المعاصي والمنكرات،
وأن نستعين على ذلك بتذكر الموت، وعذاب القبر، ونتذكر اليوم الآخر، ونشتاق للجنات والنعيم، ونفر من النار وصفات أهلها،
وبذلك نحاول أن تزود بالتقوى فنحن قد منحنا فرصا عظيمة لحصول الأجر ومغفرة الذنوب ورفع الدرجات؛
للوصول للقلب السليم الذي ينفع العبد يوم الدين، "يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ".
لماذا فضلت هذه الأيام على بقية أيام العام؟
بين ذلك الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري فقال: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه،
وهي: الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره" وقد يكون المقصود بالصدقة: الأضحية.
فضيلة هذه العشر جاءت من أمور كثيرة منها: 1.أن الله تعالى أقسم بها: والله تعالى لا يقسم بشيء من مخلوقاته إلا لل***** على أهميته وعظمته،
قال تعالى: (والفجر وليال عشر)
قال غير واحد من السلف والخلف: إنها عشر ذي الحجة.
راجع تفسير ابن كثير.
2. أن النبي صلى الله عليه وسلم شهد أنها أفضل أيام الدنيا
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهماـ أنه قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ما من أيامٍ العمل الصالح فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيامِ (يعني أيامَ العشر).
قالوا: يا رسول الله، ولا الجهادُ في سبيل الله ؟
قال: ولا الجهادُ في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله فلم يرجعْ من ذلك بشيء) رواه البخاري.
3. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتكبير
كما جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) .
أخرجه أحمد، وصحّح إسناده الشيخ شاكر.
4. - أن فيها يوم عرفة وهو اليوم المشهود الذي أكمل الله فيه الدّين،
فهو يوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في عشر ذي الحجة إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً.
ويوم يُري الشيطان فيه أذل من باقى الأيام لما ينزل الله فيه من رحمته ومغفرته
وصيام يوم عرفة يكفّر آثام سنتين كما ورد في الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم.
5. ـ فيها يوم النحر: وهو أعظم أيام السنّة على الإطلاق،
قال صلى الله عليه وسلم (أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر) رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني،
ويوم القر هو اليوم الذي يلي يوم النحر؛ لأن الناس يقرون فيه بمنى بعد أن فرغوا من الطواف والنحر واستراحوا.
وهو يوم الحجّ الأكبر الذي يجتمع فيه من الطّاعات والعبادات ما لا يجتمع في غيره،
ففيه أكثر أعمال الحج من ذكر الله عند المشعر الحرام والتوجه إلى منى لرمي جمرة العقبة الكبرى،
والطواف بالبيت طواف الركن أو الإفاضة، وذبح الهدى لمن يجب عليه،
أو الأضحية لمن أراد، والحلق أو التقصير. ولغير الحاج: صلاة العيد، وإحياء سنة الأضحية، وصلة الأرحام، وبقية الطاعات.
فالأعمال الفاضلة التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في عشر ذي الحجة كثيرة، وكل بحسب طاقته،
فمن يحب أن يتقرب إلى الله تعالى بالصيام والذكر فليفعل، ومن أراد أن يؤدي الحج والعمرة فليسارع، و أعمال الخير كثيرة والفرص المتاحة عديدة.
ومن ما يستحب فعله في هذه الأيام 1- الصلاة:يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات.
عن ثوبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«عليك بكثرة السجود لله فإنك لا تسجد سجدة إلا رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئه» [رواه مسلم] وهذا عام في كل وقت.
2- الصيام:لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي،
قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر» [رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي].وفيه خلاف
قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: إنه مستحب استحباباً شديداً.
3- التكبير والتهليل والتحميد: لما ورد في حديث ابن عمر السابق: ( فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد).
وقال الإمام البخاري رحمه الله: (كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما).
وقال أيضاً: (وكان عمر يكبر في قبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً).
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، ومجلسه، وممشاه تلك الأيام جميعاً،
والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة.
فحريٌّ بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي هُجرت في هذه الأيام، وتكاد تُنسى حتى من أهل الصلاح والخير بخلاف ما كان عليه السلف الصالح.
4- صيام يوم عرفة: يتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ثبت عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة:
«أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» [رواه مسلم].
5- النحر: وهو لمن إستطاع ذلك وهناك إخلاف حول وجوبه وإستحبابه
ولمعرفة جميع أحكام الأضحية تفضل بالضغط
هنافإدراك هذا العشر نعمة عظيمة من نعم الله تعالى على العبد، يقدّرها حق قدرها الصالحون المشمّرون.
و واجب المسلم استشعار هذه النعمة، واغتنام هذه الفرصة، وذلك بأن يخص هذا العشر بمزيد من العناية، وأن يجاهد نفسه بالطاعة.
وإن من فضل الله تعالى على عباده كثرة طرق الخيرات، وتنوع سبل الطاعات؛ ليجدد نشاط المسلم، ويبقى ملازماً للعبادة ومواظبا على طريق الاستقامة.
فعلى المسلم أن يحسن استقبال مواسم الخير ويفرح بقدومها، ويجدد التوبة الصادقة النصوح، ويحاول مجاهدة نفسه ((والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا)) العنكبوت: 69.
فيلزم نفسه بفعل الطاعات، وهجر المنكرات، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه.
وعلينا أن ننوي و نعزم العزم الصادق على اغتنام هذه الأيام المباركة بما يرضي الله عز وجل،
فمن نصر الله في نفسه وكان صادقا مع الله نصره الله عز وجل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" سورة محمد .
بل ونحاول أن نسارع إلى فعل الطاعات قال تعالى: ((وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السماوات والأرض أُعدّت للمتقين)) آل عمران:133.