رابعا:ً مرحلة المراهقة :
يتسم الأطفال في هذه المرحلة بالعند والرفض ، وصعوبة الانقياد ، والرغبة في إثبات الذات - حتى لو كان ذلك بالمخالفة لمجرد المخالفة- وتضخم الكرامة العمياء ، التي قد تدفع المراهق رغم إيمانه بفداحة ما يصنعه إلى الاستمرار فيه ، إذا حدث أن توقُّفه عن فعله سيشوبه شائبة، أو شبهة من أن يشار إلى أن قراره بالتوقف عن الخطأ ليس نابعاً من ذاته ، وإنما بتأثير أحد من قريب أو بعيد . ولنعلم أن أسلوب الدفع والضغط لن يجدي ، بل سيؤدي للرفض والبعد ، وكما يقولون "لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد له في الاتجاه" لذا يجب أن نتفهم الابن ونستمع إليه إلى أن يتم حديثه ونعامله برفق قدر الإمكان.
وفيما يلي برنامج متدرج ، لأن أسلوب الحث والدفع في التوجيه لن يؤدي إلا إلى الرفض ، والبعد ، فكما يقولون :"إن لكل فعل رد فعل مساوٍ له ومضادٍّ له في الاتجاه".
هذا البرنامج قد يستغرق ثلاثة أشهر، وربما أقل أو أكثر، حسب توفيق الله تعالى وقدره.
المرحلة الأولى:
وتستغرق ثلاثة أسابيع أو أكثر ، ويجب فيها التوقف عن الحديث في هذا الموضوع "الصلاة" تماماً ، فلا نتحدث عنه من قريب أو بعيد ، ولو حتى بتلميح ، مهما بعد.فالأمر يشبه إعطاء الأولاد الدواء الذي يصفه لهم الطبيب ، ولكننا نعطيه لهم رغم عدم درايتنا الكاملة بمكوناته وتأثيراته ، ولكننا تعلمنا من الرسول صلى الله عليه وسلم أن لكل داء دواء ، فالطفل يصاب بالتمرد و العناد في فترة المراهقة ، كما يصاب بالبرد أغلبية الأطفال في الشتاء.
و تذكر أيها المربي أنك تربي ضميراً، وتعالج موضوعاً إذا لم يُعالج في هذه المرحلة ، فالله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعلم إلى أين سينتهي ، فلا مناص من الصبر ، وحسن التوكل على الله تعالى وجميل الثقة به سبحانه.
ونعود مرة أخرى إلى العلاج، ألا وهو التوقف لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع عن الخوض في موضوع الصلاة ، والهدف من التوقف هو أن ينسى الابن أو الابنة رغبتنا في حثه على الصلاة ، حتى يفصل بين الحديث في هذا الأمر وعلاقتنا به أو بها ، لنصل بهذه العلاقة إلى مرحلة يشعر فيها بالراحة ، وكأنه ليس هناك أي موضوع خلافي بيننا وبينه ، فيستعيد الثقة في علاقتنا به ، وأننا نحبه لشخصه ، وأن الرفض هو للفعال السيئة ، وليس لشخصه.
فالتوتر الحاصل في علاقته بالوالدين بسبب اختلافهما معه أحاطهما بسياج شائك يؤذيه كلما حاول الاقتراب منهما أو حاول الوالدان الاقتراب منه بنصحه، حتى أصبح يحس بالأذى النفسي كلما حاول الكلام معكما ، وما نريد فعله في هذه المرحلة هو محاولة نزع هذا السياج الشائك الذي أصبح يفصل بينه وبين والديه.
المرحلة الثانية:
هي مرحلة الفعل الصامت ، وتستغرق من ثلاثة أسابيع إلى شهر.
في هذه المرحلة لن توجه إليه أي نوع من أنواع الكلام ، وإنما سنقوم بمجموعة من الفعال المقصودة ، فمثلاً "تعمد وضع سجادة الصلاة على كرسيه المفضل في غرفة المعيشة مثلاً ، أو تعمَّد وضع سجادة الصلاة على سريره أو في أي مكان يفضله بالبيت ، ثم يعود الأب لأخذها و هو يفكر بصوت مرتفع :" أين سجادة الصلاة ؟ " أريد أن أصلي ، ياه ... لقد دخل الوقت ، يا إلهي كدت أنسى الصلاة...
ويمكنك بين الفرض والآخر أن تسأله :"حبيبي ، كم الساعة ؟هل أذَّن المؤدِّن؟ كم بقى على الفرض؟ حبيبي هل تذكر أنني صليت؟ آه لقد أصبحت أنسى هذه الأيام ، لكن يا إلهي ، إلا هذا الأمر .... واستمر على هذا المنوال لمدة ثلاثة أسابيع أخرى أو أسبوعين حتى تشعر أن الولد قد ارتاح ، ونسى الضغط الذي كنت تمارسه عليه ؛ وساعتها يمكنك الدخول في المرحلة الثالثة...
المرحلة الثالثة:
قم بدعوته بشكل متقطِّع ، حتى يبدو الأمر طبيعياً ، وتلقائياً للخروج معك ، ومشاركتك بعض الدروس بدعوى أنك تريد مصاحبته ، وليس دعوته لحضور الدرس ، بقولك:"حبيبي أنا متعب وأشعر بشيء من الكسل، ولكِنِّي أريد الذهاب لحضور هذا الدرس ، تعال معي ، أريد أن أستعين بك ، وأستند عليك ، فإذا رفض لا تعلق ولا تُعِد عليه الطلب ، وأعِد المحاولة في مرة ثانية.
ويتوازى مع هذا الأمر أن تشاركه في كل ما تصنعه في أمور التزامك من أول الأمر، وأن تسعى لتقريب العلاقة وتحقيق الاندماج بينكما من خلال طلب رأيه ومشورته بمنتهى الحب والتفاهم ، كأن تقول الأم لابنتها: " حبيبتي تعالي ما رأيك في هذا الحجاب الجديد " ما رأيك في هذه الربطة؟ كل هذا وأنت تقفين أمام المرآة ، وحين تستعدين للخروج مثلا تقولين لها:" تعالى اسمعي معي هذا الشريط "، ما رأيك فيه؟"سأحكي لك ما دار في الدرس هذا اليوم " ثم تأخذين رأيها فيه ، وهكذا بدون قصد أوصليها بالطاعات التي تفعلينها أنت .
اترك ابنك أو ابنتك يتحدثون عن أنفسهم ، وعن رأيهم في الدروس التي نحكي لهم عنها بكل حرية وبإنصات جيد منا ، ولنتركهم حتى يبدأون بالسؤال عن الدين وعن أموره.
ويجب أن نلفت النظر إلى أمور مهمة جدا:
يجب ألا نتعجل الدخول في مرحلة دون نجاح المرحلة السابقة عليها تماما ، فالهدف الأساسي من كل هذا هو نزع فتيل التوتر الحاصل في علاقتكما ، وإعادة وصل الصلة التي انقطعت بين أولادنا وبين أمور الدين ، فهذا الأمر يشبه تماما المضادات الحيوية التي يجب أن تأخذ جرعته بانتظام وحتى نهايتها ، فإذا تعجلت الأمر وأصدرت للولد أو البنت ولو أمراً واحداً خلال الثلاثة أسابيع فيجب أن تتوقف وتبدأ العلاج من البداية.
لا يجب أن نتحدث في موضوع الصلاة أبداً في هذا الوقت فهو أمر يجب أن يصل إليه الابن عن قناعة تامة ، وإذا نجحنا في كل ما سبق- وسننجح بإذن الله ، فنحن قد ربينا نبتة طيبة حسب ما نذكر، كما أننا ملتزمين، وعلى خلق لذلك فسيأتي اليوم الذي يقومون هم بإقامة الصلاة بأنفسهم ، بل قد يأتي اليوم الذي نشتكي فيه من إطالتهم للصلاة وتعطيلنا عن الخروج مثلا!
لا يجب أن نعلق على تقصيره في الصلاة إلا في أضيق الحدود ، ولنتجاوز عن بعض الخطأ في أداء الحركات أو عدم الخشوع مثلا. ولنَـقصُـر الاعتراض واستخدام سلطتنا على الأخطاء التي لا يمكن التجاوز عنها ، كالصلاة بدون وضوء مثلا.
استعن بالله تعالى دائما ، ولا تحزن وادع دائما لابنك وابنتك ولا تدع عليهم أبدا ، وتذكر أن المرء قد يحتاج إلى وقت ، لكنه سينتهي بسلام إن شاء الله ، فالأبناء
في هذه السن ينسون ويتغيرون بسرعة، خاصة إذا تفهمنا طبيعة المرحلة التي يمرون بها وتعامَلنا معهم بمنتهى الهدوء، والتقبل وسعة الصدر والحب. (
*************
كيف نكون قدوة صالحة لأولادنا؟
يمكن في هذا المجال الاستعانة بما يلي:
محاولة الوالدين يوم الجمعة أن يجلسا معا للقيام بسنن الجمعة_بعد الاغتسال- بقراءة سورة الكهف ، والإكثار من الاستغفار والصلاة على الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ، لينشأ الصغار وحولهم هذا الخير ، فيشتركون فيه فيما بعد .
حرص الوالدين على أن يحضر الأولاد معهما صلاة العيدين ، فيتعلق أمر الصلاة بقلوبهم الصغيرة .
الترديد أمامهم -من حين لآخر- أننا صلينا صلاة الاستخارة، وسجدنا سجود الشكر ..وغير ذلك . (2)